انطلقت، اليوم، في الرياض، أعمال المؤتمر الدولي الثاني للتحكيم التجاري تحت عنوان "تطور التحكيم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. الواقع والطموح"، بحضور وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، ووزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، وبمشاركة أكثر من 37 متحدثًا محليًّا ودوليًّا بينهم عدد من الوزراء وحضور دولي ومحلي رفيع المستوى.

وقال رئيس مجلس إدارة المركز السعودي للتحكيم التجاري ياسين بن خالد خياط: هناك تصاعد للاهتمام الأممي بصناعة بدائل تسوية المنازعات، وأصبحت الأصوات تعلو بالدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية لكسر احتكار هذه الصناعة وتحقيق تنوع حقيقي فيها.

وأضاف: هناك تنوع حقيقي في الجغرافيا والمؤسسات بنشوء مراكز تحكيم مؤسسي وفق أفضل الممارسات الدولية في جميع أنحاء العالم، وهو ما بدأ فعلًا بنشوء عدد من مراكز التحكيم المؤسسي تُحقق أعلى المعايير في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية خلال العقدين الأخيرين، وفي منطقة الخليج والشرق الأوسط خلال العقد الأخير، ويأتي في هذا السياق نشوء المركز السعودي للتحكيم التجاري كترجمة لهذا التوجه في قلب هذه المنطقة المهمة من العالم وفق رؤية ثاقبة وإرادة سياسية سعودية عازمة على توفير مركز دولي وفق أفضل الممارسات.

وأردف: هذه الصناعة بحاجة لتنوع حقيقي في "الأعمار والأجيال" بإتاحة الفرصة للشباب والأجيال الصاعدة لأن تمارس التحكيم وتبرز فيه، وهو ما حققته مملكتنا الغالية في خطوات نوعية لتمكين المرأة، و"اللون والعرق واللغة"، وهو ما ترجمته المملكة فعلًا حيث لم يشترط نظام التحكيم السعودي في المحكم لا لونًا ولا جنسًا ولا عرقًا ولا جنسيةً ولا لغةً؛ وهو ما عزّزه المركز السعودي للتحكيم التجاري؛ حيث تضم قائمة المحايدين فيه مُحكّمين من 23 دولة من كل قارات الدنيا، ويتحدثون طيف لغاتها، و"الكلفة" من خلال توفير باقة متنوعة تتواءم مع مراحل قطاعات الأعمال".

وتابع: المملكة بيئة صديقة للتحكيم؛ حيث إن ذلك تَحقق بإرادة سياسية حازمة، ورؤية وطنية عالمية لتهيئة كل ما من شأنه دعم هذه الصناعة وتمكينها، تعكسها خطًى ثابتة، وإيقاع مضطرد في تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية؛ ابتداءً من صدور نظام التنفيذ ونظام التحكيم الجديد المتوائم مع أفضل الممارسات الدولية وقانون "الأونسترال الأممي"، مرورًا بالقرار التاريخي لمجلس الوزراء الموقر في شهر أبريل الماضي بالموافقة على تنظيم المركز السعودي للتحكيم التجاري، والذي عزز كل ما يضمن مهنيته واستقلاليته المالية والإدارية، وتمتعه بالشخصية الاعتبارية، وأنه لا يهدف إلى الربح، ويكون تشكيل مجلس إدارته بأمر من رئيس مجلس الوزراء.

وقال "خياط": كما اشتُرط في عضو مجلس الإدارة؛ ألا يكون شاغلًا لمنصب أو وظيفة حكومية لتعزيز استقلاله عن الأجهزة الحكومية، كما عزز ذلك بنصه على أن مجلس إدارة المركز هو السلطة العليا على شؤون المركز، كما نص على استقلال هيئة التحكيم عن مجلس الإدارة في ممارسة عملها في إدارة إجراءات القضايا المنظورة، ولا تتلقى منه أي تعليمات تتصل بأدائها لعملها، وأن من أهم ما يشار إليه في هذا السياق، صدورُ الأمر السامي الكريم في يناير الماضي، المتضمن حث الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة باللجوء للتحكيم، وتضمّن النص المركزَ السعودي للتحكيم التجاري.

وأشار إلى موافقة وزير العدل على توقيع اتفاقية تعاون، والتي ستتم مراسمها في هذا الحفل بين مركز التدريب العدلي والمركز السعودي للتحكيم التجاري، تتضمن إعداد المركز السعودي للتحكيم التجاري، وتطويره للحقائب التدريبية المقدمة في مركز التدريب العدلي للمشمولين باختصاصه من قضاة وأعضاء نيابة وكتاب عدل ومحامين ومستشارين قانونيين، قائلًا: المملكة ليست مجرد بيئة صديقة وجاهزة للتحكيم.. وإنما هي بيئة داعمة وجاذبة للتحكيم.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي للمركز السعودي للتحكيم التجاري الدكتور حامد بن حسن ميرة: المركز قد أخذ على عاتقه التزامًا بالتطوير المستمر الذي نتج عنه إطلاق حزمةً من المنتجات والخدمات قبل عام، تُعَد الأحدث في الصناعة "كمحكم الطوارئ، وإجراءات التحكيم المعجل، وبروتوكول ومنصة التحكيم الإلكتروني".

وأضاف: هناك تدشين جديد اليوم يتعلق بـ"خدمات اختيار وتعيين المحكمين" في باقة تضم أربعة خيارات تلبي حاجةً حقيقةً لمجموعة من الشركات الكبرى التي لجأت بالفعل للمركز ليقدم لها هذه الخدمة.

وأردف: في مثل هذا اليوم من العام الماضي احتفلنا بإطلاق مشروع الزمالة الدولية في التحكيم التجاري مع شركائنا في المجمع الملكي البريطاني للمحكمين CIArb، وعملنا على مدار العام لنترجم وعودنا لإنجازات تعكسها الأرقام؛ حيث استكملنا ترجمة كامل المناهج إلى العربية، وأطلقنا من لندن مع شركائنا المنصة الإلكترونية للمشروع، وكان تقييم هذه الجهود عمليًّا؛ حيث شهد التسجيل إقبالًا منقطع النظير من نخبة تضم أسماءً عريقةً من كبار المحامين والرموز في هذا المجال، وستبدأ في الأسبوع المقبل خمسة برامج في الرياض والخبر وجدة باللغتين العربية والإنجليزية".

وتابع: في ظل هذا الإقبال الكبير على الزمالة والبرامج التدريبية التي أقامها المركز على مدار سنوات؛ فإننا شعرنا بأنه قد حان الوقت بالفعل لتدشين أكاديمية المركز لتكون ذراعًا مستقلًا تابعًا، ويفرغ المركز لمهمته الرئيسية في تقديم خدمات التحكيم والوساطة، وتتفرغ الأكاديمية وتتوسع في تقديم البرامج النوعية من زمالات وبرامج قصيرة وغيرها، تتواءم مع حاجات المملكة والمنطقة مع أهم الشركاء الدوليين.

وقال "ميرة": عدد الفِرَق الطلابية المسجلة قرابة 40 من كليات "الشريعة والقانون" و"الأنظمة" في المملكة، في أول منافسة طلابية عملية في التحكيم باللغة العربية بهذا الحجم على مستوى العالم؛ حيث سجّل رسميًّا 39 فريقًا، من بينها 22 فريق طلاب، و17 فريق طالبات من 24 جامعة في 18 مدينة، يشرف عليهم 68 أستاذًا وأستاذة.

من جهته، قال المستشار القانوني العام لشركة أرامكو السعودية الدكتور نبيل المنصور: ندرك جميعًا مدى أهمية توفير آليات وبدائل فاعلة لتسوية النزاعات التجارية، وما لذلك من انعكاسات على بيئة الاستثمار ومستوى التنافسية في قطاع الأعمال والتحكيم، ولا شك أن ذلك من أهم الآليات المتعارف عليها دوليًّا في هذا المجال، بما يتيحه للمستثمرين من مرونة في اختيار آلية تسوية المنازعات وإجراءاته وعدد المحكمين ومكان التحكيم ولغته وغيرها من الخصائص التي تميزه عن الوسائل التقليدية لفض النزاع.

وأضاف: يمنح ذلك المستثمرين خيارات أوسع في إدارة آلية فض النزاعات بشكل يتوافق مع طبيعة مشاريعهم وأعمالهم.

وأردف: المملكة العربية السعودية حرصت على إقامة منظومة متكاملة لتفعيل دور التحكيم في المملكة، في إطار بيئة تنافسية تتسم بالعدل والشفافية، وأن هذه المنظومة تستند إلى ركيزتين أساسيتين هما إرساء البنية التحتية المناسبة للتحكيم المؤسسي، والعمل على نشر ثقافته؛ حيث قامت المملكة في هذا السياق باتخاذ عدة خطوات ملموسة منها على سبيل المثال: الانضمام لاتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها، وإصدار نظام التحكيم السعودي الذي يتماشى مع نموذج قانون التحكيم التجاري المعتمد من قِبَل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL)، إضافة إلى تأسيس المركز السعودي للتحكيم التجاري كأول مركز يقدم خدمات التحكيم المؤسسي في المملكة وفقًا لأفضل المعايير الدولية، وكذلك انضمام المملكة مؤخرًا لاتفاقية سنغافورة بشأن الوساطة.

وتابع: مركز التحكيم التجاري في المملكة قام بدور حافز لتعزيز بيئة الاستثمار في المملكة من خلال ما يقدمه من خدمات مهنية عالية المستوى للراغبين في إحالة منازعاتهم إليه، والبت فيها وفق أحكام وإجراءات واضحة تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية سواء لتنظيم آلية تسوية المنازعات أو تعيين المحكمين أو طريقة عقد الجلسات أو حساب رسوم وتكاليف التحكيم وغيرها؛ مفيدًا بأن ذلك يضمن المرونة في إدارة النزاع والحد من ارتفاع تكاليفه.

وقال "المنصور": المركز يقوم بدور مهم في نشر ثقافة التحكيم، وتبني المعايير الدولية المتبعة في هذا المجال؛ مضيفًا أن ما قام به المركز من خلال مؤتمره الدولي في العام الماضي، وما يقوم به في النسخة الحالية، له دور إيجابي ومؤثر في نشر ثقافة التحكيم المؤسسي وتطويره لمواجهة العديد من التحديات، وهو دور جدي بالدعم والمساندة؛ سواء من جانب الإعلام أو المؤسسات الحكومية أو قطاع الأعمال بكل مكوناته.

وأضاف: أرامكو السعودية حرصت على اتخاذ عدة خطوات لتعزيز دور التحكيم في المملكة، وتطوير كوادرها بما يدعم منظومة التحكيم عمومًا.. وعلى سبيل المثال فإن الشركة قامت بإدراج شرط التحكيم في أغلب العقود المبرمة مع شركات من داخل المملكة وخارجها؛ وذلك تجسيدًا لثقتها الكبيرة بخيار التحكيم وإيمانها بتوافر البيئة والكفاءات المناسبة للتحكيم، ونرجو أن تعزز هذه الخطوة مفهوم التحكيم لدى المستثمرين.

وبالتوازي مع هذه المبادرة، أكد "المنصور" أن أرامكو السعودية حرصت على تطوير كوادرها في مجال التحكيم؛ من خلال إعداد برامج تدريبية لهم، والمشاركة في العديد من الدورات والبرامج محليًّا وعالميًّا؛ بما في ذلك البرامج التي يقدّمها المركز، والتي أصبحت من الأدوات المهمة للتأهيل ودعم منظومة التحكيم في المملكة.

وأوضح أن أرامكو السعودية تقوم باستقطاب وتوظيف محامين متخصصين في مجال التحكيم ذوي خبرة عالمية في نزاعات عقود النفط والغاز، وكذلك الاستعانة بأفضل شركات المحاماة العالمية والمحلية؛ للعمل مع أرامكو السعودية في هذا المجال.

وفي ختام كلمته، أفاد المستشار القانوني العام لشركة أرامكو السعودية، بأن بيئة التحكيم في المملكة، والمنطقة عمومًا، شهدت تطورًا ملحوظًا على مدى السنوات القليلة الماضية.

وشدد على أن لديه اليقين بأنه ما زال بإمكاننا تحقيق المزيد من التطور في إطار هذه المنظومة التي تثري البيئة التنافسية للأعمال.